بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحاج زكي الغول أمين القدس في مصنفه:
“بنو إسرائيل لم يدخلوا فلسطين: قراءة جديدة في القرآن والتوراة”
مؤلف جديد ذو أبعاد وإثارة تاريخية”
الحلقة الأولى
في إحدى زياراتنا للأردن الشقيق لأجل دعم جامعة القدس وحشد الطاقات لهذا الغرض النبيل حيث كانت جامعة القدس _ ولا تزال _ ترزح تحت وطأة الضائقة الإقتصادية الحرجة ، إلتقينا بشخصية من ضمن من التقينا تتسم بالهدوء والصمت والسمت الأنيق والخلق الجم 0 إنه الحاج زكي الغول أمين القدس 0 كان ذلك في صيف عام اثنين وألفين للميلاد( 2002م) 0 ومن الامر البدهي أن نلتقي بهذه الشخصية لأنها تمثل أمانة القدس ، ومهمتنا ووفدنا وفد ومهمة جامعة القدس0
والحق أن الحاج الفاضل أمين القدس استقبلنا خير استقبال وفتح لنا أبواب صدره ومكتبه على مصرعيها 0 وكنا نتبادل الحديث حول سبل وكيفية دعم جامعة القدس
وإخراجها مما هي فيه من ضيق شديد ومأزق متأزم0
وإلى جانب ذلك كان هو يبادلنا الحديث في الشئون الثقافية والعلمية إلى جانب حديثنا عن الجامعة وسبل التصدي للتغلب على الضائقة المالية0
ومن ضمن ما كان يتحفنا به حديثه الشيق والجذاب عن هذا المؤلف الذي نحن بصدده 0 وكان حديثا بالنسبة لنا غريبا وعلى غير المعهود أو المخزون الثقافي لدينا في هذا الجانب تحديدا 0 بل كان مصدره مصدر إثارة وتساؤلات كثيرة كلما تحدث عنه أو حاضر فيه في المراكز الثقافية والصالونات العلمية، وأنا شخصيا شهدت بعضًا من هذا العراك العلمي والمناقشات الساخنة والحادة لأنه كان يقول بخلاف ما يعرف الناس ، ويتحدث على عكس ما لدى الناس من خلفية علمية عن بني إسرائيل وفلسطين. بل المؤلف ذاته كان أيضا هو من ضمن من يحمل هذه الأفكار والمعتقدات العلمية في كثير من أطوار حياته، حتى بدا له عكس ما كان يعلم أو يعتقده تارخيا ، وهو ما أعرب عنه في مقدمة كتابه، وما أجمل أن نقرأ له شخصيا حول هذه الفاهيم من مقدمة كتابه هذا “بنو إسرائيل لم يدخلوا فلسطين” إذ يقول في هذه المقدمة تحت عنوان “لماذا هذا الكتاب:” تعود معرفتي بتاريخ اليهود القديم إلى ما كنا نقرؤه في كتب التاريخ والتوراة ، وما كان يشاع من أن لليهود في فلسطين آثاراً ومقدسات وأن بني إسرائيل كانوا يحكمون فيها ، وكانت لهم ممالك إحداها في القدس والثانية في نابلس، وأن داود وسليمان عليهما السلام عاشا في فلسطين0
وقد رسخت هذه المعلومات في ذهني باعتبارها حقائق تاريخية مطلقة ووقائع مرت بفلسطين في العصور القديمة ، خاصة وأن بعض المؤرخين العرب ربما أخذوا هذه الأقوال عن مؤلفين أجانب واعتمدوها في تاريخهم من القدس وفلسطين ومن بينهم مؤرخون أجلاء من فلسطين وممن ألفوا عن فلسطين والقدس أو يكتبون عنها0
إلا أنني في السنوات الأخيرة ونتيجة لقراءاتي المختلفة بدأت تساورني الشكوك في صدق المعلومات المتداولة عن بني إسرائيل، وعن وجودهم في القدس وفلسطين، خصوصا وأنه لم يعثر على أي أثر يدل عليهم حسب أقوالهم وادعاءاتهم، ضمن المفروض أن كل دولة لها شأن عظيم واعمار عظيم _ كما يقول اليهود اليوم _ لا بد أن تترك آثارا تدل على حضارتها فوق الأرض التي كانت عليها0
ثم بدأت أدرس وأبحث عن تفسير لعدم وجود آثار لليهود في فلسطين كلها0
وبدأت أفتش في القرآن الكريم عما يتعلق بسيرتهم0 فتبين لي أنهم خرجوا من أرض فرعون عن طريق البحر وليس برا فوق رمل سيناء0 وأن موسى فر من فرعون قبل ذلك إلى أرض مدين وهي في الحجاز0 وغير ذلك مما يرد تفصيله في هذا الكتاب.
ثم اتجهت إلى كتاب “العهد القديم ” فوجدت أنه يقرر أن بني إسرائيل خرجوا من أرض فرعون، وأن الله لم يهدهم في طريق أرض الفلسطينيين مع أنها قريبة، بل أدارهم في طريق برية بحر سوف (البحر الأحمر ) ثم قطعوا البحر حين لحق بهم فرعون، وخرجوا إلى برية فاران (في الحجاز) ثم انتشروا في الجزيرة العربية0
ثم رجعت إلى كتب الجغرافيين والمؤرخين العرب القدامى وخاصة أولئك الذين عاشوا في القرن العاشر الميلادي – فوجدت فيها ما يؤيد انتشار اليهود في شبه الجزيرة العربية وأن سبيلهم كان من الجزيرة العربية مع بعض أهلها.
كل هذه الأمور جعلت الشكوك تتحول إلى حقائق أردت أن تطلع عليها أجيالنا المعاصرة ومن يهمه الأمر في العالم حتى لا يزور التاريخ لاغتصاب حقوق الناس في زمن أصبح دعم الباطل من أجل المصالح يعلو على الحق ولو لفترة من الزمن.
وقد عنيت بقولي “بنو إسرائيل لم يدخلوا فلسطين” أي من فترة الخروج مع موسى حتى نهاية حكم داود و سليمان و أبنائه سلام الله عليهم أجمعين.
وبعد فإني أرجو القراء الأعزاء ممن لهم رأي بناء أو معلومات مفيدة حول هذا الموضوع أن يتكرموا بتزويدي بها حتى تعم الفائدة بنشرها في طبعة أخرى قادمة بإذن الله أ.هـ.
إذن هذا هو رأي الباحث الحاج زكي، والأمر لا يعدو أن يكون رأياً ولأي باحث عن الحق أن يرى خلافه أو ينقضه أو يعقب عليه بالدليل العلمي ومن التاريخ الثابت مدعما بالحجة و البرهان.
هذا وقد وصف الأستاذ الأديب “خليل السواحري ” الكتاب الذي نحن بصدده بقوله:
في هذه الدراسة يقدم الكاتب الحاج زكي الغول قراءة جديدة لبعض آيات القرآن الكريم وبعض نصوص التوراة (العهد القديم) وتؤكد جميعها على أن بني إسرائيل لم يدخلوا فلسطين. وأن خروجهم من مصر كان إلى الجزيرة العربية عبر البح الأحمر. وأن ممالك سليمان و داود كانت في الساحل الغربي لجزيرة العرب ولم تكن في فلسطين.
وفي ملحق الصور(2) يقدم الباحث الأمريكي “هوارد بلوم” ما يثبت أن جبل اللوز شمال غرب الحجاز هو الجبل الذي كلم الله عليه، وليس في سيناء كما هو شائع.
هذا الكتاب إضافة جديدة للبحوث الكثيرة التي تفضح أكذوبة وجود أية آثار لليهود في فلسطين أو في القدس، أو حتى في سيناء.
وهو يأتي متطابقا مع النتائج التي تدعم وجهة النظر هذه على لسان علماء آثار وباحثين يهود و أمريكان ، على رأسهم عالما الأثار الإسرائيليان : فنكلشتاين ومائير بن دوف. إنه كتاب فيه الجديد المنطقي الموثق وإنه لجدير بالقراءة أ.هـ.
طبع الكتاب مرتين: الأولى في آذار واحد وألفين للميلاد: 2001م. والثانية في تموز من العام نفسه، وكلتاهما صدرتا في العاصمة الأردنية عمان (3).
والحق أن الكتاب أخذ الإهتمامات الكبيرة في الأردن. وتناوله الكثيرون بالبحث والدراسة والتفنيد، كما لاقى الاهتمام من الصحافة الأردنية كذلك، فهناك على سبيل المثال “جريدة الأسواق” حيث نشرت عنه مقالة كبيرة كانت بتاريخ 13/ أذار/2001م وهناك أيضا “جريدة الدستور” واسعة الإنتشار نشرت عنه مقالة بتاريخ 17 / أذار 2001م.
وكذلك الأمر مع “جريدة اللواء” إذ نشرت عنه مقالة مطولة و تناولته بالدرس والتحليل في الثاني من أيار لعام واحد وألفين للميلاد (2 /أيار/2001م).
والذي لا ريب فيه أن الكتاب فيه جدة وطرافة، و يجد القارئ له متعة فكرية وطلاوة تاريخية، سيما أنه يسوقك إلى خلاف ما كنت تظن وتفكر، ويذهب خلاف ما ذهب إليه الكثير من الباحثين والمؤرخين.
والقدرة والإبداع في المؤلف يأتي من زاوية أنه استطاع أن يشق طريقا آخر في جبال التاريخ الشاهقة والقاسية في هذا الموضوع ليس من السهل على القارئ العادي أو الباحث غير المتميز أو المصنف المستنير غير الناقل والمقلد فقط أن يأتي بمثل ما أتى به الحاج زكي عضو اتحاد المؤرخين العرب، سيما وأنه يدعم كل ما يقول أو يخالف به الآخرين من المؤرخين بالدليل والحجة، وفي ذلك دلالة على إعمال العقل و التميز و الإبداع ، بعيدا في كل ذلك عن النقل والتقليد ، وأن يأخذ كما أخذ الآخرون ، أو يقول ما قاله الغير.
نقول بهد ذلك: إن كل الإحترام لهذه العقلية النيرة، ولهذا الجهد الكبير في الجمع والنقد والتحليل، ولهذه الشجاعة حيث خالف المعهود وأتى بما لم يأت به الآخرون وتحمل في سبيل ذلك كل نقد أو هرطقة أو تخطأة. حتى ولو لم يصب فيما ذهب إليه جدلا. يقول صلوات الله عليه “من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر”
وفي الحلقة القادمة سنأخذ بالتحليل بعضا مما ذهب إليه المصنف والمؤلف.
والسلام عليكم ورحمة الله .
د. حمزة ذيب مصطفى
مستشار رئيس جامعة القدس
ممثل جامعة القدس في رابطة
اتحاد الجامعات الإسلامية – القاهرة
1/10/2004م