بسم الله الرحمن الرحيم
الأسرى الفلسطينيون وزيارة البابا الضيف
هل كان موقع للأسرى الفلسطينيين على أجندة زيارة البابا
للأراضي المقدسة؟
حينما يتناول المرء سياسياً كان أو غير سياسي قضية الأسرى الفلسطينيين القابعين خلف القضبان في السجون الإسرائيلية تنتابه المرارة والأسى ويعتلج في صدره الحزن والأسف. حيث لا تولى هذه القضية الإنسانية من الإهتمام المطلوب والقلق الكافي على مصير هؤلاء السجناء وذويهم من آباء وأمهات وأخوات وزوجات حرائر صابرات وفلذات أكباد لا يسمعون كلمة “بابا” في مناداة الأب لفلذات أكباده في المناسبات وغير المناسبات. غير أن هؤلاء الأبناء قد سمعوا هذه الكلمة في زيارة البابا الضيف وزعيم الفاتيكان للأراضي المقدسة. ولكن شتان ما بين اللفظين في مفاهيم الدلالة لدى الآباء والأبناء من جانب الأبوة الحقيقية. وجانب الرعاية والمتابعة والإحتضان اليومي من قبل الآباء لأبنائهم لإشباعهم حناناً وعطفاً ورقة وشعوراً، واهتماماً بمستقبلهم شأن الآباء والأبناء في كل موقع ومكان.
وأنا هنا لا أدري لمن أوجه التساؤل الذي عنونت به مقالتي. هل أوجهه لأقوى دولة في العالم؟ والتي تمثل الشرطي الحافظ للنظام والأمن والساهر على مصالح البلاد والعباد ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية راعية النظام الديمقراطي والمصدرة له والمدافعة عنه والذائدة عن حياضه بكل قوة. وهي الدولة التي تنادي أيضاً في كل نادي ووادي بحقوق الإنسان ورفع الظلم عن المظلومين، وتلك هي جحجها في غزوها للعراق والإحاطة بالنظام البعثي السابق بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين.
أم أوجهه للأمم المتحدة التي تكفل الحريات للشعوب وتدرأ عن الضعفاء ضراوة وشراسة الأقوياء، وتضع الأسلاك الشائكة لكل من يريد محاولة التجاوز لحدوده والإعتداء والنيل من حقوق الآخرين وتصنف القوائم الخاصة بالمعتدي والمعتدى عليه؟ أم أوجهه لمجلس الأمن الدولي والذي اشتق اسمه من مهمته؟ أم أوجهه لمحكمة العدل الدولية في لاهاي؟ أم أخاطب به الاتحاد الأوروبي الصديق والذي إذا تعرض لقضية الأسرى الفلسطينيين يتعرض لها على استحياء خوفاً من ملامة وتعليق واتهامه بمعاداة السامية؟ أم أسائل به العدالة والمجتمع الدوليين؟ أما أناشد بهذه المساءلة منظمات حقوق الإنسان والهيئات غير الحكومية ذات العلاقة بهذا الجانب الأخلاقي؟
أم أوجهه إلى ضيف الأراضي المقدسة سيادة البابا والحبر الأعظم حيث يمثل جانب الإنسانية والرحمة في رسالة السيد المسيح عليه السلام؟
ألا وإن لكثرة إنسانيته وجانب الرفق لديه من خلال مضامين رسالة السيد المسيح عليه السلام فقد قام بزيارة عائلة الأسير الإسرائيلي الجندي شاليط لكونه أسيراً لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ولكن ألا تصح المساءلة عن أحد عشر ألف أسير في السجون الإسرائيلية؟ وبعضهم محكوم عليه بالمؤبدات والبعض الآخر محكوم عليه بعشرات السنين، ومنهم من أربى وراء القضبان الإسرائيلية ثلاثين عاماً كأطول فترة سجن لسجين في العالم.
ما الذي يضير لو تحسسنا من ناحية إنسانية بحتة عائلات -من أمهات ثكلى إلى أيامي إلى شيوخ وعجزه- من ذوي الأسرى الفلسطينيين؟
ولماذا لا تطرح هذه القضية الإنسانية في كل المحافل الدولية وتولى جانباً يستحقها من الطرح والإهتمام؟
لقد سبق لي أن كتبت في هذه الموضوع الهام والخطير ومما قلته بأن قضية الأسرى الفلسطينيين يجب أن يحمل ملفها ليس من الجانب الفلسطيني فحسب، لأنها أكبر من أن نحملها وحدنا فقط، وأن نكون منفردين بها في الميدان. ليس هناك من قصور تجاه هذه القضية الإنسانية من الجانب الفلسطيني ولكن القصور كل القصور من الجانب الدولي والجانب الأممي.
غير أنني أقول هنا أيضاً بأن جامعة الدول العربية يتوجب عليها أن تحمل هذا الملف بكل قوة. سيما وأن في هذا الملف الكثير الكثير مما يقال فيه ويناقش.
كما وأننا نعول كثيراً في هذا الملف على منظمة المؤتمر الإسلامي بقيادة والمفكر الصالح والمسئول الحاذق الدكتور أكمل الدين أوغلو حفظه الله.
ومن المحال أيضاً أن نتجاوز الأنظمة الرسمية عربية كانت أم إسلامية في هذا الشأن الضروري والأخلاقي فيلزمها أكثر من غيرها أن تحمل بكل اهتمام ورعاية هذا الملف من خلال وزارائها خارجية كانت أم داخلية أم إعلامية.
لا يجوز بحال أن تغفل قضية الأسرى الفلسطينيين وهم أسرى عدالة وحرية وأسرى كرامة.
كيف يصح الجمع ما بين ملفات اتفاقات السلام ما بين الجانب الإسرائيلي والجانب العربي فلسطينياً أو سواه.
هل لاتفاقيات سلام أوسلو أو غيرها معنى وهناك أحد عشر ألف أسير خلف القضبان في سجون الإحتلال الإسرائيلي؟ لم هذه الاتفاقيات حينئذ، وما معنى السلام المبرم ما بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي وهذا العدد الضخم من السجناء السياسيين؟ ليس هناك من حروب ما بين الجانبين فلم السجن إذن؟ وفي كثير من الأحيان بلا أسباب أبداً، أو لأسباب تافهة من غير الممكن أن يسجن على مثلها الفرد أو المواطن.
وهناك سجناء حماس السياسيين من برلمانيين أو وزراء. فلم هؤلاء في السجن وخلفيتهم سياسية بحتة وضمن حكومة رسمية وبرلمان رسمي منتخب بصورة ديمقراطية وبكل شفافية؟
فهل هناك إجحاف مثل هذا الإجحاف؟ أليس في هذا الإجراء تجاوز لكل الحدود المعقولة سياسياً وديمقراطياً؟
لو أخذ الفرد وألقي القبض عليه في ساحة من المواجهة والقتال لربما جاز ذلك. أما أن يؤخذمن على منصة الحكم والبرلمان وحياته سيساية بحته وبعيدة كل البعد عن الحروب والقتال أو استخدام السلاح، وهناك اتفاقات سلم معقودة ما بين هذا الجانب السياسي الفلسطيني والجانب الإسرائيلي فهذا منتهى العجب والتناقض من ادعاء السلام من جهة وممارسة الغطرسة والقوة ورفع سياسة العصا دائماً وإيداع السياسييين السجن من جهة أخرى. ناهيك عن الوضع القائم الذي يدعم العالم أجمع أصحابه كفلسطينيين أرضهم محتلة ومغتصبة بقوة السلاح، واحتلال جاثم على صدور الفلسطينيين والذي ترفضه كل قوى العالم وقوانينها الدولية، والتي لا تجيز احتلال أراض الغير بقوة السلاح.
هذه مطالب وحقوق لأسرانا الفلسطينيين، وهي قصة إنسانية من وجه وسياسة محترمة من خلال المواثيق الدولية من وجه آخر نتقدم بها بمناسبة زيارة سيادة البابا للأراضي المقدسة.
وهي أيضاً جملة من الهموم ورزمة من الأسى والأحزان نبثها بمناسبة هذه الزيارة علها توضع على أجندة الفاتيكان للإهتمام بها والعمل عليها حتى يحل السلام في أرص السلام وبلد رسول السلام.
هذه قضية نثيرها بين الفينة والفينة لأن إنهاءها وطي ملفها بشكل عام مما يساعد على إرساء قواعد الأمن في المنطقة. وإغلاق هذا الملف من أهم عوامل الإستقرار وتدعيم جذور وأعمدة السلام العادل. ولن يكون هناك سلام عادل وشامل في المنطقة وملف الأسرى مفتوح وغير معالج. من هنا فإننا نهيب بالأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي عموماً والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً أن تلتفت إلى شأن وملف الأسرى الفلسطينيين بكل اهتمام وتحوطه بكل الرعاية وتحاول جهدها على إنهاءه وإغلاقه بكل السبل. وعلى إسرائيل أن تعي جيداً ألا سلام ولا أمن في المنطقة دونما الإنتهاء وغلق ملف أسرى الحرية والكرامة وأسرى السلام العادل والشامل من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
نتمنى لضيف الأراضي المقدسة الكريم البابا الحبر أن يزور المنطقة في عام قابل والسلام والأمن والهدوء قد عم أرض القداسة وأرض الإسراء والمعراج، أرض الأنبياء والمرسلين بما فيهم السيد المسيح عليه وعلى أمه العذراء البتول السلام والرضوان.
د. حمزة ذيب مصطفى
عضو الهيئة الإسلامية العليا – القدس
23/ جمادي الآخر/ 1430هـ – وفق 17/5/2009م