بسم الله الرحمن الرحيم
دعم الأردن الشقيق مادياً واجب عربي محتم
تمر منطقتنا العربية في المجمل عبر موجات سياسية عاصفة، ورياح تغيير قوية شديدة، وتلفها غيوم سوداء داكنة، وهذا الحراك العربي لم يأت بعيداً عن أسباب موجبة له، أو جاء ترفاً سياسياً وفكرياً تنظيرياً ليس له رصيد من الواقع العربي المأساوي، سيما في مجالات الإقتصاد، ومجالات الديمقراطية وحرية الرأي، حيث يحس المواطن العربي في بعض المواقع بألم الجوع، إذ عضه الجوع بنابه، كما يحس بجوع شديد في مجالات حرية التعبير، وحرية التصحر والجفاف لا في الميدان الإقتصادي حيث الفقر والبطالة الخانقة والقابضة على الرقاب فحسب، بل حالة التصحر والجفاف في مجال الكرامة الإنسانية ومصادرة الآراء وحالة تكميم الأفواه. فحينما ينظر إلى وضعه الإقتصادي يراه بائساً مقيتاً فيرضى بقضاء الله وقدره ويصبر ويحتسب، غير أنه يرى ذاته مسلوب الكرامة، مصادر الحرية، خاضعاً للرقابة الأمنية طوال حياته، لا يتمتع بنظام ديمقراطي إنساني، بل يجد نفسه وجهاً لوجه أمام سياسات الدكتاتورية والقمع وحالة الطوارىء التي تتذرع بها بعض انتظم والمناهج الدكتاتورية، فضاق ذرعاً بالحال المرير. وغاب عن بعض النظم أن سياسة دوام الحال من المحال. والله تبارك وتعالى لا يرضى لعباده الذل والمهانة، ولا يرضى لهم سوء الحال وقلة ذات اليد نتيجة السياسات الغاشمة وغير العادلة ولا يرتضي الله تبارك وتعالى للعباد أن يحكموا على الدوام من الطغاة ومن طغمة غير صالحة بل فاسدة مفسدة، ذليلة مذلة، مهانة –بضم الميم- مهنية –بضم الميم- لذلك. قالت الناس وذهب هذا القول مثلاً “العدل أساس الملك”.
وقد ضرب لنا القرآن الكريم أمثلة كثيرة على ذلك، وكيف أنه ينتصر سبحانه للضعفاء والمظلومين والفئات المسحوقة المذلة –بضم الميم وفتح الذال المعجمة- وما فرعون وموسى عليه السلام إلا نموذج تقاس عليه المتشابهات والنظائر، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن أين الذين يتعظون ويعتبرون؟ أين الذين يقفون عند هذه النماذج استهداء وتبصرة وتذكرة؟ “إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد”.
بدأ هذا الحراك في تونس، ولا زالت آثاره ممتدة، والبعض يصطلي بلهيبه. وبدأ كل شعب يحس بالظلم أو العنت أو الفقر، أو سوء الحال يتململ ويتحرك وينفس عما في صدره شيئاً فشيئاً “فلا بد للمصدور أن ينفث”.
ومن هذا الحراك العقلاني المتزن الحراك على أرض دولة الأردن الشقيق. وهنا لا بد من وقفة وكلمة حق تذكر وتقال حيال النظام والحكومة في هذه الدولة الشقيقة، حيث تعامل النظام في هذا البلد الأبي مع هذا الحراك بكل هدوء واتزان وعقلانية وأساليب حضارية نائياً بنفسه عن الإيقاع في هذا الحراك أو استخدام القوة والبطش حياله. بل قد فتح ذراعيه وأذنه للحراك التي يرفعها هذا الحراك، ولم يسمح لأحد من قوات الدرك أو الأمن أن يستخدم القوة فضلاً عن القوة المفرطة التي يستخدمها الآخرون حيال حراك من هذا النوع. ووقف الطرفان الحراك من جهة والنظام الأردني من جهة أخرى في خندق العقلانية والمنطق والحوار الهادىء فنعم الموقف من هذا النظام تجاه حراك الرأي والحراك السلمي وحراك الإصلاح.
إن موقف النظام من المعارضة في دولة العروبة والإسلام لهو محل التقدير والإحترام وموقف التثمين عالياً. وفيه دلالة على عقلانية القائمين على هذا النظام على رأسهم جلالة الملك الشاب عبد الله الثاني، موقف فيه الحكمة والفهم والنضج وكمال الوعي.
وحقيقة الأمر أن أكثر ما يقض مضجع المواطن الأردني لهو الوضع الإقتصادي، وكان لرفع الدعم عن المحروقات من قبل الدولة سبب رئيس لازدياد هذا الحراك وتأجيج نار المعارضة، علماً أن الدولة قد أخذت هذا القرار مضطرة لأجل دعم الدينار وتحت ضغوطات البنك الدولي الداعم للإقتصاد الأردني، والذي اشترط عليه إجراء من هذا النوع حتى يتمكن الأردن من تلقي دعم البنك الدولي. ومما لا شك ولا ريب أن النظام لا يألوا جهداً أبداً في خدمة المواطن والسهر على راحته ومصلحته ويجد المواطن الأردني ذلك بكل يسر وسهولة ودونما وساطة أي مسئول، فالغني والفقير والكبير والصغير والذي يملك والذي لا يملك، ومن له ظهر ومن ليس له ظهر يستطيع المواطن الأردني مهما كانت منزلته ومكانته من البساطة أو قلة الشأن أن يجد ما يؤمن له احتياجاته سيما الصحية منها. فالأردن على قلة إمكاناته ونضوب موارده إلا أنه يقدم خدمات في مجال الصحة والتعليم والخدمات للمواطنين ما لا تقدمه الكثير من الدول المماثلة حتى الأكثر دخلا من الأردن. وما ذاك إلا لأن هناك قيادة تسهر ليل نهار على مصلحة المواطن وتحاول جهدها أن تؤمن له كل شيء، كما أن هناك حرية كبرى يتمتع بها المواطن الأردني، ناهينا عن الأمن والأمان الذي يعيشه هذا البلد الشقيق حفظه الله ورعاه ملكاً وحكومة وشعباً. كما أن هذا البلد طيلة تاريخه فإن وقفاته مع قضايا أمته العربية والإسلامية لهي محل الفخار والإعتزاز، وكان في كل القضايا المصيرية ينحاز وينجاب تجاه مصلحة الأمة عروبة وإسلاماً. كان هذا البلد ولا يزال عريناً للعروبة والإسلام، وما قصر في يوم من الأيام مع أحد من دول الجوار أو الأشقاء عموماً. وبالتالي فإن الأخوة الصادقة والمروءة الكاملة، والمنطق وسداد الرأي يقول بكل قوة: نعم لدعم دولة الأردن الشقيق من الإخوة في دول البترول والدول الخليجية وكذلك مصر في شأن مد الأردن بالغاز. لماذا لا يمد الأردن بالدعم المالي والدعم البترولي حتى يتسنى له الخروج من هذه الأزمة والكربة التي هو فيها؟ كيف يتسنى للدول الشقيقة ذات النفظ وذات المدخول المرتفع في المال أن تقف وقفة المتفرج على الأردن وهو يمر في أيامه الحالكة؟ إن الصديق وقت الضيق. لم يقف الأردن في يوم من الأيام وقفة المنفرج من أي بلد عربي إن ألمت به محنة أو ألم به كرب، فكيف نرضى لأنفسنا أن نقف اليوم من هذه البلد المعطاء وصاحب المواقف وقفة المتفرج؟
إننا أيضاً لنتمنى على أخينا المؤمن النظيف زعيم مصر الدكتور محمد مرسي أن يضخ الغاز إلى دولة الأردن بالتسهيلات التي يراها مناسبة لشعب مصر ولشعب الأردن. ونعم الشعبان الأخوان الشقيقان.
إن الشعب الأردني الشقيق لهو في ظرف اقتصادي صعب، والمواطن في هذه الدولة ليعيش ظروفاً اقتصادية حرجة. لماذا لا نفيض عليه مما أفاض الله علينا يا معشر العرب؟ “والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قالوا: خاب وخسر، من هذا يا رسول الله، قال: “من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم” “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” “الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”. “المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه ولا يخذله”.
هذا هو هدي السماء، وهذا هو إسلامنا الحنيف وهذه مبادىء ديننا القويم، إن لم نطبق هذه المبادىء في وقتها ووقت حاجتها فمتى سنطبقها؟ إن لم نطبقها في أوانها فستضحي نصوصاً نجترها اجتراراً دون أن يكون لها رصيد في أرض الواقع وعلى أرض التعامل. إسلامنا دين عمل “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” “يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.
أشقاؤنا في الأردن الغالي يصارعون الفقر والبطالة وغلاء الأسعار والدولة ذات موارد محدودة وضيقة وضعيفة، لكنها غنية برجالها وغنية بعطائها، وغنية بغزارة نتاجها في أمور حياتية هامة وكثيرة، وقبل ذلك وبعده غنية بمواقف حكامها النبل سليلي الدوحة الهاشمية تجاه قضايا العروبة والإسلام على رأسها القضية الفلسطينية وقضية القدس الشريف.
كيف تطيب نفوسنا ونحن نرى الأشقاء الكرماء يمرون في محنة كبرى ولدينا القدرة على الوقوف إلى جانبهم ومد يد العون لهم، وإخراجهم مما هم فيه من كرب وغم وهم؟.
ليعلم الجميع أن أمن العرب من أمن الأردن وأن استقرار الحكم لدى دولنا هنا أو هناك له علاقة كبرى باستقرار هذا البلد الطيب. “إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. إن دعم الأردن بالمال اللازم والنفظ لهو دعم لنظم عربية قائمة. وإن إبقاء الأردن وتركه يصارع وحده هذه التيارات من الرياح العاتية في المنطقة لهو مجازفة بسواه من النظم والدول. نحن لا نريد أن يتكرر ما هو موجود في سوريا الشقيقة. وها هو الشعب السوري والأرض السورية والدولة السورية ليدفعون ثمناً باهظاً وعظيماً وخطيراً جداً كنا جميعاً في غنى عنه لو استعملنا العقل والحكمة والمنطق. وأحلانا بدلا من ذلك لغة الحوار الجاد والتغيير المطلوب والضغط عبر الوسائل العقلانية المتاحة محلياً ودولياً. وخضنا بحر الشعارات واليافطات والمسيرات والحراك من جهة والتفاوض وإبداء المطالب المقدور عليها من جانب آخر، وتم الضغط على النظام عبر الوسائل الحضارية، واستقبل النظام ذلك وتقبله بقبول حسن. لكن اللجاجة والعناد والصلف والدكتاتورية أوقعتنا في كل ذلك فأهلكنا الحرث والنسل ودمرنا البلاد والعباد، والكل قد خرج من هذه الحرب الأهلية والفتنة الكبرى خاسراً منهكاً.
في ختام هذه المقالة فإنني أوجه صرخة للإخوة الأشقاء في دول الخليج ومصر أن يقفوا مع الأردن في محنته القاسية وأن يمدوا له يد العون والمساعدة على صعيد المال وعلى صعيد النفظ وعلى صعيد الغاز، فإنه بلد يستحق أن يوقف إلى جانبه.
د. حمزة ذيب مصطفى
جامعة القدس
عضو منتدى بيت الحكمة للمفكرين والباحثين – الرباط
9/ صفر/ 1434هـ – وفق 22/12/2012م